العربية – الارتبــــاط

شهد القرن العشرون التقاء ثقافة الغرب في فلسطين (المسيحية- اليهودية)، التي مثلها اليهود الذين كانوا لاجئين على مدى حوالي 2000 سنة، بالحضارة الشرق أوسطية (العربية الإسلامية)، التي سادت في الشرق الأوسط على مدى فترة طويلة جدًا، ومثلها في فلسطين الفلسطينيون.

كان ذلك الالتقاء المكثف والأعمق بين الثقافتين، لكنه للأسف الشديد أخذ منحى العداء الشديد ووضع البشرية في هذا الزمن أمام مشاكل صعبة للغاية. فقد وجّه المتورطون، فعليًا أو عاطفيًا، في النزاعات التي نشأت، معظم طاقاتهم نحو أعمال عدائية، وتهم متبادلة وبذل جهود للدفاع عن النفس أمام كل هذه الأعمال.

بعد 70 سنة من المواجهات العنيفة في إطار النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني (1920-1991)، هذا النزاع الذي يقف في مركز المشاكل في الشرق الأوسط، جرّبت الأطراف، وما زالت، 20 سنة من المفاوضات بالتوازي مع استمرار العنف. وكل ما أنجزته هذه المفاوضات المتواصلة هو ازدياد العنف والمعاناة لدى الطرفين. وفي ضوء هذا الواقع، فمن جهة، كل من يؤمن بمواصلة السير في الاتجاه الذي تم تحديده للمفاوضات- حل الدولتين، يجب أن يجيب عن السؤال، كم من الضحايا، المعاناة واللاجئين الإضافيين يحتاج كي يفهم أن هذا الاتجاه ينبغي التخلي عنه. ومن الجهة الأخرى، كل من لا يؤمن بهذا الاتجاه، فإنه مطالب باقتراح حل بديل يتيح للأطراف مستقبلا أفضل.

الطريق الوحيد للوصول إلى حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، الحل الذي يمكّن من توجيه كل الطاقات والموارد المستثمرة اليوم في النزاع باتجاه الترميم/ التأهيل، التطوير والازدهار هو الارتقاء إلى الأعالي التي تمكّن من رؤية النزاع بمنظور جيد لتاريخ فلسطين الطويل. فقط بهذا المنظور يمكن رؤية الجذور الحقيقية للنزاع، وفقط استنادّا إلى هذه الجذور الحقيقية يمكن بناء حل خلاق، عادل ودائم للنزاع في الأراضي المقدسة. كما أنه، من خلال هذه النظرة العقلانية يمكن خلق أرضية مشتركة لصالح ثقافة يهودية- مسيحية- إسلامية والتي بمقدورها أن تخطو بالبشرية كلها نحو ازدهار غير مسبوق.

الحل البديل – الارتباط:

بما أن فكرة الدولة ثنائية القومية، المطروحة كبديل لحل الدولتين، قد أثبتت نفسها كمشكلة عويصة في أماكن أخرى، فإن الحل المنشود مستحدث ومفاجىء للغاية بل يبدو لأول وهلة أمرًا خياليًا لا مثيل له- وهو ارتباط أطراف النزاع كشعب واحد. هذه الفكرة المفاجئة التي تبدو ساذجة وعديمة أي احتمال، تستند إلى سلسلة أبحاث تتعلق بهوية الفلسطينيين غربي نهر الأردن كما سيفصل لاحقا.

التدهور الكبير الذي دهورت فيه القيادة الفلسطينية وضع الجماهير الفلسطينية، بما في ذلك وضع الكثيرين من مؤيديها المخلصين جدًا، إلى جانب المستوى الكبير من الفساد الذي انكشف لدى هذه القيادة، وذلك على خلفية ثورة الجماهير في البلدان العربية ضد قياداتها، في حين أن إسرائيل تعتبر واحة الحرية، النجاح والاستقرار، كل هذه تخلق أرضية خصبة لدى الجماهير الفلسطينية لتطبيق الحل. ولكن كل هذا لا يكفي لإتاحة الحل المقترح، وبالطبع لدى الطرف اليهودي.

هنا تدخل إلى الصورة الأبحاث المذكورة أعلاه. البحث الأنثروبولوجي الشامل، الأبحاث الوراثية المختلفة، البحث التاريخي- الديمغرافي والبحث التاريخي- الجغرافي، التي نشرت جميعها ابتداء من سنة 2000 وهي مفصلة في كتاب لا يرفع أخ على أخ سيفا كما نشر ملخصها في كتيّب الارتباط. وكل هذه تعزز البحث الأصلي لدافيد بن غوريون ويتسحاق بن تسفي (الرئيس الثاني لدولة إسرائيل) وغيرهما، من خلال إشارتهما بشكل واضح إلى حقيقة مفاجئة للغاية:

أغلبية كبيرة ومتراصة للغاية (80%-90%) من بين الفلسطينيين الذين يعيشون اليوم غربي نهر الأردن (بمن فيهم عرب إسرائيل)، هم نسل شعب إسرائيل الذين أكره آباؤهم على تغيير دينهم وبالأساس على اعتناق الإسلام.

عندما يتضح أن أطراف النزاع هم أخوة بالدم وهم على الأغلب لا يعون ذلك، فإن استمرار النزاع اليوم ما هو إلا حماقة غير مجدية وظلم غير مبرر، والسبب الوحيد لوجوده هو الجهل القائم بما يتعلق بموضوع هوية الفلسطينيين. صحيح أن هناك فوارق ثقافية ودينية بين الأطراف، ولكن هذه نتيجة إكراه من قبل غرباء، وهذه موجودة أيضا لدى كل واحد من الأطراف بحد ذاته، بينما لب النزاع هو الموضوع القومي الذي يتضح أنه مغلوط. وفي ضوء نتائج الأبحاث يتضح أيضا السبب لعدم تحقيق أي نجاح حتى الآن، ولذلك لن يتحقق أي نجاح في المستقبل، لمحاولة حل مشكلة الشعبين في الوطن الواحد:

ومن خلال استخدام المنطق البسيط للغاية، يمكن أن نفهم، أنه من غير الممكن أن نحلّ في الواقع مشكلة غير موجودة في الواقع- لا يوجد في فلسطين شعبان ولذلك لا يمكن أن نحلّ فيها أي مشكلة تتعلق بشعبين يعيشان فيها لأول وهلة. فقط أولئك الذين سقطوا ضحية للجهل المذكور، فقط من لم يعملوا بما يكفي من أجل معرفة جذور النزاع، يستطيعون أن يحاولوا، في خيالهم فقط، حلّ المشكلة (خلافا للنزاع) غير القائمة بتاتا. (للأسف الشديد، يقف لجانبهم أولئك القلائل ذوي التأثير الذين يعرفون الجذور المذكورة، ولكن يبنون أنفسهم ومكانتهم وقوتهم على وجود النزاع، ولكن هم معنيون باستمرارية المحاولة الفاشلة لحل المشكلة غير القائمة، وبذلك يحاولون تخليد الجرح الدامي في قلب فلسطين).

كل ما ذكر أعلاه يؤدي إلى نتيجة واحدة واضحة:

المخرج المطلوب من الطريق المسدود الذي وصلت إليه المنطقة يتمثل في عودة أغلبية الفلسطينيين إلى شعب إسرائيل- عملية تثير التحدي ومتواصلة لارتباط سلام بين الفلسطينيين واليهود في فلسطين الغربية وتكوين دولة واحدة لقومية واحدة- شعب إسرائيل، دون أي إكراه ديني (كما هو مفصل في نشرة الارتباط التي ستجدون لها رابطا لاحقا).

واضح أن الكراهية المتراكمة لدى كثيرين وخيّرين من الطرفين تجاه الطرف الآخر محتدمة عميقا جدًا. ولكل طرف منهما أسبابه المبررة، رغم أنها جميعا نابعة من الخطأ الذي يكمن في لب النزاع وأضراره. ونتيجة لذلك، يحتاج جزء منهم وقتا طويلا نسبيا لكي يستوعبوا الحقيقة الجيدة ونتيجتها كما ذكر أعلاه، بينما توجد لدى الآخرين تخوفات كبيرة ومفهومة من هذه النتيجة. في الواقع شعب إسرائيل الذي في معظم جزئه غير المتزمت دينيا جرب بنجاح عملية دمج يهود المهاجر، وبمقدوره الروحاني وتجربته التغلب على المعوقات المتوقعة، فقط إذا كان واعيا لها ويستعد لها كما ينبغي.

ولكن بهذا لا ينتهي التغيير المطلوب في الشرق الأوسط. الفترة الحالية المضطربة في العالم العربي، حتى عندما تهدأ الأوضاع بهذا المستوى أو ذاك، ليس بمقدورها حلّ مشاكل العالم العربي. المشاكل هناك أعمق بكثير من مجرد تغيير الحاكم أو طريقة الحكم، بل من المحتمل أن تفاقم الوضع. الاستخدام الهام بحدّ ذاته للفيس بوك، ليس بمقدوره أن يضمن بأن يكون العالم العربي المعاصر قادرًا على التخلي عن مساهمته السلبية لنفسه وللإنسانية على طريقة الكراهية، التدمير والإرهاب التي تتم بذريعة الرغبة في إعادة مجد الخلافة الإسلامية. فاستخدام الفيس بوك لا يكفي من أجل وقف السلبية المذكورة وتمكين العالم العربي من المساهمة بشكل إيجابي وبناء في تطوّر الإنسانية، كما ساهمت فعلا الخلافة الإسلامية في بداية طريقها، بل تألقت آنذاك بمفردها في هذه المساهمة. إن إزالة النزاع اليهودي- الفلسطيني من جدول الأعمال وإخماد نيران الكراهية تجاه إسرائيل، سيمكن شعب إسرائيل الموحد من العودة إلى القيام بدوره التاريخي كشعب مختار والتعاون مع بقية شعوب المنطقة من أجل دفع الشرق الأوسط كله إلى مستقبل ينشده معظم سكانه.

لقراءة موجزة حول الجذور والحل النابع منها اختر من فضلك:

جديد:

כתבה במבט בערוץ 1 בערבית על מפגש ברהט של בדואים עם רבני הסנהדרין רפי איתן ואחרים מה-13.10.09